كتابات وآراء


الخميس - 14 نوفمبر 2019 - الساعة 03:18 ص

كُتب بواسطة : نبيل الشرعبي - ارشيف الكاتب



في بلد اسمه اليمن كيف ضاق الوطن بالفقراء وأتسع للمتسلطين والمتنفذين وتجار الحروب..؟. كفقير ستعرف انك تعيش في اقطاعية بملكية خاصة وليس وطن بمجرد أن تحاول البقاء في الليل ساعات للراحة على رصيف شارع لم يألفك المقيميين فيه.

في المقابل لن يهتم لأمرك أحد في ذات الشارع حين تملك سيارة فارهة تحمل رقم خصوصي تركنها على الرصيف والبقاء فيها أو ايقافها ومغادرة المكان، بل ربما يرحب بك باحثين على مكرمة منك_ قليل من القات أو مبلغ زهيد لا يكفي لشراء سندوتش وشاي، وفي ذات الوقت لا يمكن لسائق سيارة أجرة أن يقف بنفس المكان والوقت بانتظار زبون يزور مريضاً أو أحد أقاربه.

مفارقات تبعث الحيرة والغيظ معاً في وطني اليمن.. صنف من البؤساء يشبهون الحراس الجوعى الذين يحمون اللصوص من المُسائلة والحساب والعقاب لسرقتهم رغيف هؤلاء الحراس، هذا الصنف من البؤساء رغم فاقته ومعيشته المهينة يكون أول من يبادر إلى مصادرة حق الفقراء في الجلوس والبقاء على الرصيف في الليل للراحة أو النوم.

مشردون يمنيون مع حلول المساء رمتهم الفاقة والعناء طوال اليوم على رصيف ما بحثاً عن ملاذ والنوم في العراء، بؤساء شارع ذاك الرصيف وبدافع غريب وبأساليب مشينة يتسابقون لطرد الفقير الغريب على رصيفهم من وطنه لأنه يشببهم.

أن تكون فقير يمني ويحل عليك الليل وأنت في شارع لا تقيم فيه، بمجرد أن تسند ظهرك على رصيف الشارع ينهض إليك بؤساء هذا الشارع لبدأ تحقيق معك وستكون محظوظاً إن سلمت الصفع والضرب وجرك على وجهك إلى ديوان عاقل الحارة ثم قسم الشرطة والبقاء فيه ربما لأشهر ليس لشيئ غير أنك حاولت النوم على رصيف شارع في جغرافيا يُقال لك إنها وطنك.

فهل عامل البؤس المشترك بين كثير يمنيين زادهم إغتراب عن بعض ووسع الهوة بينهم، أم الفهم المغلوط لمعنى المواطنة والحق في العيش على تراب وأرض الوطن، أم الخواء من الإنسانية، أم عقدة العبودية وكره التعايش، أم ماذا..؟!..

دواعي التعاون في حفظ الأمن له محددات ونهج واضح.. من يفكر في زعزعة الأمن أو القيام بتفجير أو سواه يمكن اكتشافه، ومن ضاقت به السبل وحل عليه الليل منهكاً وقواه خائرة يمكن معرفته بسهولة.

شخصياً عايشت خلال الأعوام الأخيرة حالات من هذا النوع.. بؤساء حاولوا البقاء والنوم على رصيف الشارع الذي أقطن فيه بالعاصمة صنعاء_ شارع الدائري قرب الجامعة الجديدة، ولكن بؤساء في هذا الشارع شغلوا حاستهم الآمنية وأعلنوا حالة استنفار وتصرفوا بإساءة بالغة للبؤساء الذين لم يألفهم رصيف هذا الشارع.. حاولت مراراً وجاهداً منع هكذا نهج سلبي وفشلت كثيراً ولم أنجح في منع ذاك الجنون إلا قليلاً.

مواقف مُحزنة ومخجلة، بؤساء يتنمرون على بؤساء ويصادرون عليهم حقهم في البقاء على أرصفة جغرافيا يُطلق عليها مجازاً وطن. بؤساء ببقايا ثياب رثة وبطون خاوية وقلوب مكسورة، صاروا في نظر بؤساء أرصفة متنمرين صاروا عناصر تمثل خطر على الوطن وهكذا دواليك.

كبائس يمني تنظر في السماء أو تناجي الله ليفرج كربك على رصيف شارع مع حلول الليل هرباً من المؤجر الذي لا يرحم، جلوسك ذاك سيجلب لك مصاعب وستخضع لتحقيقات وإساءات.. من أنت وماذا تفعل هنا واين بطاقتك وإلى جماعة إرهابية تنتمي و....إلخ، والمحزن أن من حَوّلك من بائس تقطعت به السبل إلى إرهابي أو استدعى سيارة الشرطة هو بائس مثلك، فما الذي يحدث..؟!..

سنوات الحرب التي تعصف باليمن مزقت النسيج الاجتماعي وأواصر التراحم والتعايش وأفرزت عُقد مريضة نالت وتنال من الإنسان اليمني أكثر مما نالت منه الأسلحة والبارود والغارات الجوية والقذاثف القاتلة وبالذات البؤساء.

تحول سلبي ومرضي مرعب في أخلاقيات نسبة كبيرة من المجتمع اليمني، وتصرفات تعكس حجم التدمير الذي طال تركيبة وبنية هذا المجتمع، هذه التركيبة التي تشكلت على مدى ألاف السنين_ أقصد التعايش الكريم_ دمرها الصراع في بضع سنين.. فكيف سيكون القادم مع هذا السقوط وتناميه..؟!